مراجعة فيلم The Wicker Man 1973





The Wicker Man 1973 
أغنية فولكورية من العالم الآخر..



شاهدت هذا الفيلم بدافع الفضول خصوصاً بعد سماعي للقاء خاص بالراحل كريستفور لي الذي أقرّ فيه أن أفضل أدواره كان في هذا الفيلم،  قد كنت شاهدت بالفعل نسخة 2006 المريعة من بطولة نيكولاس كيدج والتي كانت سبب خلق سلسلة من " الميمز " الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي وكانت تلك النسخة البائسة من أسوأ الأفلام التي شاهدتها في حياتي ومن الواضح أن هناك إجماع كبير على ذلك، ورغم هذا شاهدت الفيلم الأصلي منبع الفكرة وأقل ما يمكنني ان أقول في وصفه " عبقري ".
فيلم " رجل الخوص " هو دراسة منمقة سينمائياً تتطرق بشفافية للعديد من المفاهيم الدينية التي تُخلق منها " الطوائف " بشكل خاص وكيف أن هذه المفاهيم قد تصل إلى حد لا يعقل من الجنون والتطرف ، " رجل الخوص " هي إحدى الوسل المتبعة في تقديم القربان البشرية لنيل رضا الآلهة من قبل كهنة الوثنية الكلتية في بلاد الغال من رومانيا " بريطانيا قبل الميلاد " ، الفكرة قائمة على تقديم التضحية الإنسانية على هيكل يشابه بنيانياً الكيان البشري وإشعال النار حتى يحترق الهيكل المصنوع من الخوص محرقاً معه التضحية.
 تُقدم لنا الشخصية الرئيسية كمسيحي كاثوليكي مخلص، يكرس نفسه كلياً لمهنته كرقيب وضابط مدركاً أهميتها كوظيفة، مؤمناً بأنه خُلق لها وأن لا شيء في العالم بمقدوره إيقافه عن تحقيق العدل وفرض القوانين التي بإعتقاده لا تشكيك في أحقيتها، بل وإنه يصل إلى حد الإيمان بنبؤته الشخصية بعد أن تصله رسالة مجهولة تندد بإختفاء طفلة من جزيرة منعزلة في أرخبيل "هبرديس" القابع في اسكتلندا، وكرجل لا يعرف التردد ولا يؤمن بإحتمالية الهزيمة متخماً بالخيلاء والثقة يوافق على حمل تلك المهمة التي يصفها " بالربانية " ويتجه صوب تلك الجزيرة Summerisle  مُمَجَداً فقد تم إختياره لحمل الرسالة وهو الآن يغادر بطلاً في أعين الجميع.


الفيلم لا يتبع نهج الرعب التقليدية فالرعب هنا نفسي وفكري، وربما هذا ما جعل فيلم نيكولاس كيدج مهزلة حين المقارنة بهذا، ففي الفيلم الأصلي لا وجود للحظات المباغتة، الشخصيات المريبة، الكاميرا المتلصصة أو حتى الموسيقى التي تنتهجها أفلام الرعب بل كان الفيلم خالياً من كل الحيل السينمائية التقليدية، المعنية بإرباك المشاهد حتى يُصف الفيلم ب"المخيف"، فقد جاء الفيلم بأغاني " فولكلورية"  في غاية الجمال تبدو للحظة عادية إلا أنها تبطن معظم الأفكار وتخدم الفيلم بشكل كبير، كما أن الألوان جاءت مشرقة باهية يتعمد المخرج روبن هاردي الإكثار من إستعمال الألوان الفاتحة من المحيط السينمائي إلى ملابس الشخصيات التي يمكن وصفها بالبهجة البلهاء خادعاً المشاهد بصرياً فلا يوجد في الفيلم ما يجعلك للحظة تنفر وتشمئز، هنا الإثارة تعتمد إعتماداً كاملاً على القصة، الحوارات والأداءات التمثيلية لا غير. وكانت النتيجة طيبة للغاية، أقرب للمثالية.



نص الفيلم لا يمهد لل"تويست" كما هو الحال في غالبية الأفلام المعاينة، بل هو يكشف عن كل حباله في النصف الأول منه، كما أن الفيلم لا يحاول غرس قيم الأخلاقية في المشاهد أو دحضها، الفيلم بكل بساطة يستكشف عمق الإيمان، سواء إيمان ذلك الرجل الذي جاء بغاية نبيلة ومسعى واضح ليتحول من رقيب عسكري إلى مبشر مسيحي في مرحلة معينة من رحلته ، أو إيمان أهل تلك الجزيرة التي يخيم عليهم الغموض ويشوب معتقداتهم أفكار أقل ما يقال عنها "متطرفة" كالرقص عُرياً حول النيران، أو حفلات العربدة ليلاً، النص كان ذكياً للغاية فقد تمكن من المحافظة على نطاق معين كي لا يفلت الفيلم ويهوي فيدخل في باب " التجاوز " ولا ينغلق ويصبح ركيكاً تنقصه الجرأة ويخسر هويته كفيلم يستعرض حالتين من النهج الديني، إحداهما متطرفة علنياً والأخرى متطرفة في لبها.
رحلة بحث الرقيب عن فتاة ضائعة تتحول بشكل ما إلى رحلة إستكشاف عن خبائث بشرية، معتقدات مظلمة في عالم لم يخطر له قط أنه يوجد، تتضح الأمور له عندما يتقابل مع المشار إليه بأسم " السيد " الذي يجيب عن كل الإتهامات بجملة ".
-        كل شكوك باطلة أيها الرقيب، نحن لا نقتل أحد هنا، نحن قوم في غاية التدين.

كمشاهد حالك كحال الرقيب تستكشف وتتعجب وترتبك وتمر بكل المراحل التي يمر بها من حيرة، وتخبط في الغرائز وخوف يتبعه غضب يغشاه شك ثم يليه أمل واهي، أشيد جداً بأداء إدوارد وودوارد، وأشيد أيضاً بالشخصية العبقرية الذي قدمها كريستفور لي كسيد الجزيرة، مبشرها ونبي الخلاص الذي يقدسه ويحترمه سكانها.
أوصي هذا الفيلم لكل محبي التجارب النفسية، محذراً حسبانه كفيلم رعب إعتيادي، ناصحاً إجتناب نسخة 2006..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

.Damn عن كيندريك لامار وكيف أصبح الهيب الهوب أدباً

عن حاضر يُنعى والسعي لغد أفضل 2016 Hell Or High Water

Grizzly Man (2005) القبح الدفين للطبيعة والشغف